الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

قصة حياة جاليليو جاليلى


   عالِم فلكي وفيلسوف وفيزيائي إيطالي، ولد في بيزا في إيطاليا. أبوه هو فينسينزو جاليلي وأمه هي جوليا دي كوزيمو أماناتي وأنجب من مارينا جامبا ثلاثة أطفال دون زواج هم فيرجينا (لقبت بعد ذلك بالأخت ماريا) ولدت عام 1600 وماتت عام 1634، فينسنزو ولد عام 1606 ومات عام 1646، ليفيا (ولقبت بعد ذلك بالأخت أركنجيلا) ولدت عام1601 وماتت عام 1649. نشر نظرية كوبرنيكوس ودافع عنها بقوة على أسس فيزيائية، فقام أولا بإثبات خطأ نظرية أرسطو حول الحركة، وقام بذلك عن طريق الملاحظة والتجربة.
حياته وإنجازاته
    كان ماهرا في الرياضيات والموسيقى، لكنه كان رقيق الحال، لذلك اعتزم ألا يعمل ابنه في أي عمل من الأعمال التي لا تكسب صاحبها مالا، ومن ثم أرسله إلى جامعة بيزا لدراسة الطب. ووصل جاليليو وهو ما يزال طالبا لتحقيق أول مكتشفاته عندما أثبت أنه لاعلاقة بين حركات الخطار(البندول) وبين المسافة التي يقطعها في تأرجحه، سواء طالت المسافة أو قصرت. واهتم بعد ذلك بدراسة الهندسة إلى جانب الطب، وبرع فيها حتى بدأ يلقي المحاضرات على الطلاب بعد ثلاث سنوات فقط. وفي ذلك الوقت كان العلماء يظنون أنه لو ألقي من ارتفاع ما بجسمين مختلفي الوزن فإن الجسم الأثقل وزنا يصل إلى الأرض قبل الآخر. لكن جاليليو أثبت بالنظرية الرياضية خطأ هذا الاعتقاد، ثم اعتلى برج بيزا وألقى بجسمين مختلفي الوزن فاصطدما بالأرض معا في نفس اللحظة. وأوضح أيضا خطأ عدة نظريات رياضية أخرى. وانتقل جاليليو بعد ذلك إلى مدينة بادوفا بجمهورية البندقية وفي جامعتها بدأ يلقي محاضراته في الرياضيات، وكان في هذا الوقت قد نال نصيبه من الشهرة. وفي بادوا اخترع أول محرار (ترمومتر) هندسي.
   كان ممن اتبع طرق التجريبية في البحوث العلمية. وبحث في الحركة النسبية، وقوانين سقوط الأجسام، وحركة الجسم على المستوى المائل والحركة عند رمي شيء في زاوية مع الأفق واستخدام البندول في قياس الزمن.
   في سنة 1609 بدأ جاليليو يصنع منظاراً بوضع عدستين في طرفي إنبوبة من الرصاص، وكان أفضل بكثير من الذي صنعه ليبرشي. بعد ذلك انكب جاليليو على منظاره يحسن من صناعته، وراح يبيع ماينتج منه بيديه، وصنع المئات وأرسلها إلى مختلف بلاد أوروبا، وكان لنجاحه صداه في جمهورية البندقية، ففي تلك الأيام كان كل فرد يعتقد أن الأرض مركز الكون، وأن الشمس وغيرها من الكواكب تدور حولها، وكان الطريق اللبني يعتبر حزمة من الضوء في السماء، وأن القمر مسطح الشكل. ولكن عندما نظر جاليليو من خلال عدسات منظاره لم يجد شيئا من هذا كله صحيحا، فقد رأى أن في القمر مرتفعات، وأن الشمس تنتقل على محاورها، وأن كوكب المشتري له أقمار، مثلها مثل القمر الذي يدور حول الأرض، ورأى أن الطريق اللبني ليس مجرد سحابة من الضوء إنما هو يتكون من عدد لا حصر له من النجوم المنفصلة والسديم.
   وكتب كتابا تحدث فيه عن ملاحظاته ونظرياته، وقال أنها تثبت الأرض كوكب صغير يدور حول الشمس مع غيره من الكواكب، وشكا بعض أعدائه إلى سلطات الكنيسة الكاثوليكية بأن بعض بيانات جاليليو تتعارض مع أفكار وتقارير الكتاب المقدس، وذهب جاليليو إلى روما للدفاع عن نفسه وتمكن بمهارته من الإفلات من العقاب لكنه انصاع لأمر الكنيسة بعدم العودة إلى كتابة هذه الأفكار مرة أخرى، وظل ملتزما بوعده إلى حين، لكنه كتب بعد ذلك في كتاب آخر بعد ست عشرة سنة نفس الأفكار، وأضاف أنها لا تتعارض مع شيء مما في الكتاب المقدس. وفي هذه المرة أرغمته الكنيسة على أن يقرر علانية أن الأرض لاتتحرك على الإطلاق وأنها ثابتة كما يقول علماء عصره. ولم يهتم جاليليو لهذا التقرير العلني.
التدريس في جامعة بيزا 1589–1592
   حصل جاليليو على إجازة التدريس في جامعة بيزا عام 1589 لتدريس الرياضيات. ولم يكن دخله من هذه الوظيفة كبير إلا أنه كان يقوم ييناء أجهزة وبيعها. كما اخترع ترمومترب ولكنه لم يكن ترمومترا دقيقا، ودرس حركة البندول واتضح له أن دورة البندول لا تعتمد على وزنه ولا على مقدار إزاحته عن موقع الاستقرار وإنما    تعتمد على طول البندول. وشغلته تلك المسألة طوال حياته وكان يقكر طويلا، كيف يستغل تلك الحركة البندولية لاختراع ساعة تقيس الزمن.
   ثم بدأ في دراسة حركة السقوط الحر من عى برج بيزا المائل مع اعتبار استنتاجاته من حركة البندول. وقام بعدة تجارب على البرج المائل حيث يشكل له معملا مائلا وكان يختبر سرعة انزلاق كرات من مواد مختلفة. تلك التجارب والملاحظات أوصلته إلى تعيين سرعات تلك الكرات المنحدرة ببطء على منضدة، وتوصل بالتالي إلى دراسة التسريع وتبين له أن التسريع والسرعة شيئان مختلفان، وصاغ السرعة والعجلة صياغة رياضية لأول مرة. وتفتح عقل جاليليو جاليلي على الفيزياء وأن الطبيعة تجري طبقا لقوانين يمكن صياغتها رياضيا، وكتب في كتابه المسمى "ساجياتوري" عام 1623 :
"    توجد الفلسفة في هذا الكتاب الكبير، كتاب الكون، وهو مفتوح لنا باستمرار. ولكن لا يمكننا فهم الكتاب إذا لم نعرف اللغة التي كتب بها ولم نحاول تعلم الحروف المستخدمة في كتابته. إنه مكتوب بلغة الرياضيات ولغتها هي الدوائر، والمثلثات وأشكال أخرى هندسية، وبدونها فلا يستطيع الإنسان فهم حتى كلمة واحدة من الطبيعة والكون، وبدونها يضل الإنسان في دهليز كبير مظلم."
   أما ان تجارب قام بها جاييو بإسقاط أشياء من على برج بيزا إلى أسفل فقد ذكر ذلك تلميذه فينسينسو فيفياني. إلا أن مخطوطات جاليليو لم تذكر شيئا عنها، وربما يعود ذلك إلى عدم وجود ساعات في ذلك الوقت للقيام بقياسات دقيقة. ويذكر المؤرخون أن مناقشة تجربة البرج الشهيرة عن جاليليو الخاصة بسقوط الريشة والحجر من على البرج إنما تعد كتجربة عقلية تفكيرية، ذكرها جاليليو في كتابه الأساسي "ديالوجو " بالتفصيل.
   قام جاليليو جاليلي بتسجيل نتائج اختباراته في كتاب بخط يده يسمى De motu antiquiora الذي طبع بعد ذلك عام 1890. وكان فيه هجوما حادا على أرسطو الشيئ الذي أزعج زملائه المتحفظين في هيئة التدريس بجامعة بيزا، الشيئ الذي أدى إلى إخلاء طرفه من الجامعة عام 1592، واشتدت حالته المالية سوءا وعلى الأخص إذ توفي والده قبل ذلك عام 1591.
محاكمته عام 1616
   كان جاليليو يدافع عن نموذج كوبرنسكوس بخصوص أن الشمس ثابتة والأرض والكواكب تتحرك حولها، كان كوبرنيكوس قد نشر هذا الكتاب عام 1543. واستاء قساوسة الفاتيكان لأن ذلك مخالف لما جاء في الإنجيل بأن الأرض ثابتة. وكان اعتقاد رجال الكنيسة آنذاك بال، الأرض هي الثابتة وأن الشمس والكواكب تتحرك حولها. فكان رجال الكنيسة يتهمون جاليليو بالخروج عن تعاليم الإنجيل. ومن نحو 1612 كان جاليليو يدافع على صحة ما جاء في كتاب كوبرنيكوس.
   أصدر القسيس باولو أنتونيو فوسكاريني عام 1615 كتابا أراد أن يثبت به عدم صحة الاستنتاجات الفلكية لكوبرنيكوس وأنها لا تتطابق مع ما جاء في الإنجيل. وبناءا على ذلك أنشأت السلطات البابوية لجنة استقصاء الحقائق بعد تمهيد من الماردينال روبرت بيلارمين. وفي عام 1616 منع كتاب فوسكاريني من التداول. كذلك منعت عدة مخطوطات عن الاستنتاجات الفلكية لكوبرنيكوس وأخرى ليوهانيس كبلر. إلا أن كتاب كوبرنيكوس الأصلي De Revolutionibus Orbium Coelestium الذي نشر عام 1543 لم تمنعه الكنيسة وإنما منع من التداول، وحفط حتى عام 1822 في مكتبة الفاتيكان، على أساس أن نموذج الحسابات التي تنادي بأن الشمس هي مركز المجموعة الشمسة وليست الأرض خاطئة.
    ولم يكن جاليليو طرفا في ذلك النزاع، وتركه رجال الكنيسة بسبب صداقته مع الكاردينال مافيو بالرباريني الذي أصبح فيما بعد البابا "أوربان الثامن". فتكاتف خصومه وكتب بيلارمين خطابا بأن لا يتمسك جاليليو بالدفاع عن نموذج كوبرنيكوس كحقيقة وإنما في إطار أنها مجرد افتراض، وحذره من العواقب. واشتكوا جاليليو أمام البابا وضغطوا عليه لمحاكمته. وظهر خطاب بيلارمين عام 1632/ 1633 أثناء محاكمة جاليليو كدليل على عدم طاعته. ويقال أن هذا الخطاب ظهر أمام المحاكمة في صيغتين واحتفظتا في أوراق القضية   واحدة منهما بالتوقيع الصحيح. ولذلك يعتقد بعض المؤرخون في القرن 19 و20 أن المحكمة أصدرت حكمها آنذاك في عام 1632 بإدانة جاليليو على أساس خطاب مزور.
   ومع فقد جاليليو لمن يحميه ويدافع عنه في روما فحكمت عليه المحكمة عام 1633 بأنه يعترض على ما جاء في الإنجيل، وينقسم الحكم إلى ثلاثة أقسام:
·        اتهام غاليليو بالاشتباه بالهرطقة.
·        حكم عليه بالسجن لإرضاء خصومه الثائرين. وفي اليوم التالي خف الحكم إلى الإقامة الجبرية.
·        منعه من مناقشة تلك الموضوعات، وأعلنت المحكمة بأن كتاباته ممنوعة.
   منذ ذلك اعتكف جاليليو جاليلي في بيته وأمضى به بقية حياته وحافظ جاليليو على عدم نقاش نظام كوبرنيكوس علنا. واهتم في عمله بدراسة حركة أقمار المشتري واتخاذها كأداة لقياس الزمن من أجل حل مشكلة خطوط الطول، ولكنه لم ينجح في تفسيرها. ثم حول التلسكوب إلى الميكروسكوب، وكان يراقب الأشياء بالمجهر مجرد مراقبة ولكن من غير اهتمام حقيقي.
   في تلك الأثناء كتب جاليليو كتابا بعنوان "علمان جديدان". وفيه كتب عن الكينماتيكا وهي علم حركة الغازات، و"صلابة المادة " الذي مدحه أينشتاين كثيرا.  وسمي جاليليو جاليلي "أبو العلم الحديث". وأصابه العمى 1638 وكان يعاني من فتق مؤلم وأرق، فكان يسمح له بالسفر إلى فلورنس للعلاج. 
اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بخطئها
   في عام 1939 قام البابا بيوس الثاني عشر بعد أشهر قليلة من رسامته لمنصب البابوية بوصف جاليليو "أكثر أبطال البحوث شجاعة... لم يخش من العقبات والمخاطر ولا حتى من الموت" وفي 15 أكتوبر، قام الكاردينال راتزنجر (والذي أصبح لاحقا البابا بندكتيوس السادس عشر) في خطاب لجامعة لا سابينزا بوصف جاليليو "بحالة عرضية التي سمحت لنا ان نرى مدى عمق الشك بالذات في علوم وتكنولوجيا العصر الحديث.
   وفي عام 1992 قام البابا يوحنا بولس الثاني بالتعبير عن الندم تجاه الطريقة التي ووجهت بها اعماله. واعلن اعتراف بالاخطاء التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية.
   وفي مارس 2008 قام الفاتيكان باتمام تصحيح أخطائه تجاه جاليليو بوضع تمثال له داخل جدران الفاتيكان. وفي ديسمبر من العام نفسه اشاد البابا بندكتيوس السادس عشر بمساهماته في علم الفلك أثناء احتفالات الذكرى ال400 لأول تليسكوب لجاليليو.
تأثيره على العلم الحديث
   يقول ستيفن هوكنغ أن مولد العلم الحديث ربما يرجع إلى جاليليو عن أي شخص آخر.  وقد سماه اينشتاين " أبا العلم الحديث "، نظرا لإنجازاته العلمية من جهة ومن جهة أخرى أنه تمسك باقتناعه العلمي ولم يحيد عن هذا الاقتناع ووقف صامدا أمام الاتهامات الموجهة إليه، حتى أن وصل به الاقتناع إلى مخاطر محاكمته أمام محكمة الفاتيكن. 
   وقد قادت اكتشافات وجاليليو الفلكية وفحصه لنظرية كوبرنيكوس إلى تخليده كإنسان حيث اكتشف أربعة أقمار المشتري وهم القمر إيو والقمر أوروبا والقمر جاناميد والقمر كاليستو وهذه الأربعة تسمي أقمار جاليليو.
   كما تسمى بعض الأجهزة العلمية باسمه مثل مركبة جاليليو الفضائية وهي أول قمر صناعي يدور حول المشتري كما يوجد نظام أقمار صناعية "جاليليو " للملاحة ومعرفة التموضع على الأرض. كما أن التحويل الرياضي بين أنظمة القصور الذاتي المختلفة في الميكانيكا التقليدية تسمى تحويلات جاليليو. كما توجد وحدة Gal والتي تسمى بالكامل جاليليو لتعبر عن التسريع في الميكانيكا إ إلا أنها لا تنتمي إلى النظام الدولي للوحدات.
   وقد أطلقت الأمم المتحدة عام 2009 حيث العام العالمي للفلك حيث ناسب ذلك العام مرور أربعة قرون على الاكتشاف الأول بالتلسكب لجاليليو. وشكل العام العالمي للفلك 2009 احتفالا عالميا للفلك ومدى تأثيرها في المجتمع والثقافة، تحفز على اكتساب العلوم على مستوى العالم وليس في إطار اعلم الفلك وحده ولكن لكل العلوم، وبصفة خاصة تشجيع النشأ على الاهتمام بالبحث والعلوم.
رد اعتبار جاليليو جاليلي
     أدت محاكمة جاليليو جاليلي أمام محكمة الفاتيكان إلى مناقشات طويلة عبر التاريخ وكتب عنها مختلف الكتاب، ومنها مناقشة للأديب الألماني الحديث "برتولد بريشت" في كتابه "حياة جاليليو".
     في عام 1741 صدر تصريح من البابا بنديكت الرابع عشر بطباعة كل كتب جاليليو. وفي عهد البابا بيوس السابع عام 1822 أصدر تصريح بطباعة كتاب عن النظام الشمسي لكوبرنيكوس وأنه يمثل الواقع الطبيعي.
   وفي عام 1979 فوّض البابا "يوهانز باول الثاني " الأكاديمية العلمية الباباوية القيام بمراجعة وتحليل لعوارض أحداث وشبهات في قضية جاليليو جاليلي.  وفي 31 أكتوبر عام 1992 قدمت الهيئة العلمية بتقريرها إلى البابا يوهانز باول الثاني، الذي قام على أساسه بإلقاء خطبة، يتكرر نشرها مختصرة على أنها اعتذار من الفاتيكان على ما جري لجاليليو جاليلي أثناء محاكمته أمام الفاتيكان عام 1623.  ولكن ما كان يهم البابا في ذلك إنما هو إزالة سوء التفاهم "المتبادل " بين العلم والكنيسة. وأعاد الفاتيكان في 2 نوفمبر 1992 لجاليليو كرامته براءته رسميا، وتقرر عمل تمثال له فيها. .
    وفي نوفمبر 2008 تراجع الفاتيكان من جديد عن الحكم الذي كان قد صدر ضده من محكمة البابا عام 1632. ولم يوقع البابا أوربان الثامن على الحكم الصادر من الفاتيكان آنذاك ضد جاليليو، فلم يكن البابا والكاردينالات مؤيدين جميعا للحكم. .
نهايته
     ظل جاليليو منفيا في منزله حتى وافته المنية في 8 يونيو 1642، وتم دفن جثمانه في فلورانسا. وقدمت الكنيسة اعتذارا لجاليليو عام 1983.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارسل ما تراه مقترحا عبر التعليق .. حتى بمجهول